s

١٠.منزله الجبهه القمريه

المنزلة القمرية العاشرة: الجبهة

تُعرف المنزلة القمرية العاشرة في التقويم القمري العربي باسم “الجبهة”، وهي واحدة من المنازل القمرية الثمانية والعشرين التي استخدمها العرب القدماء كدليل لتحديد المواسم الزراعية والأنشطة اليومية. تعكس هذه المنازل نظامًا تقليديًا رصينًا في قياس الوقت والتنبؤ بالطقس وتوجيه الحياة الاجتماعية والاقتصادية. وكان لهذه المنازل دور كبير في حياتهم، إذ اعتمدوا عليها في تنظيم أعمالهم الزراعية ورحلاتهم.

أصل التسمية ودلالتها

أطلق العرب على هذه المنزلة اسم “الجبهة” نسبةً إلى مجموعة من النجوم في كوكبة الأسد، حيث تشبه الجبهة أو مقدمة الأسد في السماء. ويُعتبر هذا الاسم من الأسماء التقليدية التي حملت معاني مستوحاة من البيئة الصحراوية وأشكال النجوم كما رآها العرب الأوائل، ما ساعدهم في تمييز السماء وتقسيم منازل القمر وفقًا لصفاتها.

توقيت دخول الجبهة وخصائصها المناخية

تبدأ منزلة الجبهة حوالي منتصف شهر سبتمبر وتستمر لمدة 13 يومًا تقريبًا. تُعتبر هذه الفترة بمثابة انتقال فعلي إلى فصل الخريف، حيث تصبح درجات الحرارة معتدلة في النهار ويميل الطقس إلى البرودة في الليل، وهي إشارة إلى اقتراب انتهاء الحرّ الشديد في مناطق الجزيرة العربية.

يمثل دخول الجبهة تغيرًا واضحًا في المناخ، إذ يصبح الجو لطيفًا أكثر، ويميل الطقس إلى الجفاف مع انخفاض درجات الحرارة التدريجي. كما أن هذه الفترة تتزامن مع سقوط بعض الأمطار الخفيفة التي تساعد في تنقية الجو، وتجعل الليالي أكثر صفاءً ورؤية، مما كان يُعتبر مثاليًا عند الفلكيين القدامى لرصد النجوم والكواكب.

تأثير الجبهة على الأنشطة الزراعية

كان توقيت الجبهة مهمًا جدًا للعرب القدامى، وخاصة في الزراعة، فقد اعتمدوا عليها كدليل على بدء موسم زراعة بعض المحاصيل الشتوية، مثل القمح والشعير والخضراوات التي تحتاج إلى مناخ معتدل لتنمو بشكل جيد. تبدأ النباتات البرية في النمو تدريجيًا خلال هذه الفترة، ما يجعل الأرض خصبة ومهيأة للزراعة. كما تكون التربة ملائمة للحرث والاستصلاح، حيث تجف قليلاً وتصبح مناسبة للزراعة بعد موسم الصيف.

دور الجبهة في الهجرة والحياة البرية

تؤثر هذه المنزلة أيضًا على سلوك الطيور والحيوانات، حيث تبدأ الطيور المهاجرة بالتحرك تدريجيًا نحو المناطق الدافئة في الجنوب هربًا من برودة الطقس في الشمال. وقد لاحظ العرب هذه الظاهرة واعتبروها إشارة إلى قرب دخول الشتاء، إذ كانوا يعتمدون على الهجرة الموسمية كعلامة طبيعية تدل على تغير الفصول.

كذلك، تنشط بعض الحيوانات التي كانت تتجنب حرارة الصيف، وتبدأ في التحرك والبحث عن الغذاء استعدادًا لفصل الشتاء. ويستفيد البدو وسكان المناطق الريفية من هذه التغيرات الموسمية في الطبيعة، إذ تُعد هذه الفترة فرصة لاصطياد بعض الطيور والحيوانات البرية.

أهمية الجبهة في الفلك والأرصاد

كان رصد النجوم أثناء مرور القمر في الجبهة ضروريًا عند العرب، فقد ساعدهم هذا التوقيت في تتبع حركة الكواكب ورصد ظواهر كونية أخرى. ومع دخول هذه المنزلة، تصبح السماء أكثر صفاءً مع انخفاض درجة الحرارة وزيادة وضوح النجوم، مما يسهل عملية التوجيه الليلي للقوافل في الصحراء.

ارتبطت الجبهة كذلك بمعرفة الأوقات المناسبة للرحلات والسفر الليلي، حيث استفاد العرب من مواقع النجوم في تحديد اتجاهاتهم، وخاصة في الصحراء المفتوحة. وبذلك أصبحت الجبهة جزءًا من أسلوب حياة العرب القائم على مراقبة النجوم وتتبع منازل القمر.

منزلة الجبهة في التراث الشعبي

كانت الجبهة تحمل مكانة خاصة في التراث الشعبي العربي، حيث أُلّفت حولها العديد من الأمثال الشعبية التي تعكس فوائدها وتأثيراتها. فيُقال عند حلولها أن “الليالي تبدأ بالبرودة”؛ وهي إشارة إلى برودة الطقس. كما يُعتبر دخول الجبهة وقتًا ملائمًا لبعض المناسبات الاجتماعية، حيث كانت الاجتماعات الليلية تستأنف وسط الأجواء المعتدلة.

الخاتمة

تجسد منزلة الجبهة في التقويم القمري العربي جزءًا من التراث الفلكي والمعرفي الذي توارثه العرب عبر الأجيال. فهي دليل حيّ على فهمهم الدقيق لمواسم الطبيعة، وارتباطهم الوثيق بمراقبة السماء والتنبؤ بالمناخ وتوجيه حياتهم بناءً على هذه التغيرات. يعتبر فهم تأثيرات منزلة الجبهة على الطقس والزراعة والهجرة الطبيعية إرثًا يعكس عراقة الثقافة العربية واهتمامها بعلم الفلك ومنازل القمر.