المنزلة القمرية الثانية عشرة هي منزلة “الصرفة”
، وهي جزء من التقويم القمري العربي القديم الذي قُسّم إلى 28 منزلة قمرية. تُعتبر كل منزلة قمرية فترة زمنية محددة، تترافق مع أحداث فلكية أو تغيّرات مناخية معينة كان العرب القدماء يعتمدون عليها في تحديد أوقات الزراعة والسفر وتنبؤاتهم الموسمية. تأتي “الصرفة” بعد منزلة الزبرة وقبل منزلة العواء، وتقع هذه الفترة في أواخر فصل الصيف تقريبًا.

تسمية الصرفة ومعناها
تعود تسمية “الصرفة” إلى معنى الانصراف أو التحول، حيث ترمز إلى انصراف شدة حرارة الصيف تدريجيًا وبدء تغير الأحوال الجوية مع اقتراب فصل الخريف. ويرى البعض أن اسم الصرفة يعكس الانتقال من فترة الجفاف الشديد إلى الاعتدال النسبي في الطقس، مما يجعلها منزلة لها أهمية خاصة في حياة العرب القدماء.
التغيرات الجوية في الصرفة
تشهد هذه المنزلة تغيرًا في درجات الحرارة، حيث يبدأ الجو بالتحول من الحر الشديد إلى اعتدال نسبي، خاصة في الليل. كما أن فترة الصرفة تترافق مع بداية ظهور نسمات البرودة الخفيفة في الصباح الباكر والمساء، والتي تبشر ببداية انتهاء الصيف تدريجيًا. ويبدأ الليل بالتمدد والنهار بالتقلص قليلاً، مما يمهّد للدخول في أجواء الخريف.
الزراعة في فترة الصرفة
في هذه الفترة، يتوقف المزارعون عن زراعة بعض المحاصيل الصيفية ويستعدون للزراعات الشتوية التي تحتاج إلى ظروف أقل حرارة. تعتبر الصرفة وقتًا مثاليًا لحراثة الأرض وتجهيزها للمحاصيل الشتوية مثل القمح والشعير. كما تكون بعض الفواكه والمحاصيل قد نضجت بالفعل وتستعد للحصاد. ويُعدّ توقيت الصرفة مهمًا للمزارعين الذين يعتمدون على التغيرات الموسمية لتحديد موعد الزراعة والحصاد، حيث تمنحهم فترة الصرفة فرصة للتحضير للزراعة المقبلة.
دلالات فلكية
فلكيًا، تتوسط الصرفة كوكبة الأسد، ويُعد القمر في هذه المنزلة مؤشرًا على الانتقال بين فصلي الصيف والخريف. وقد استخدم العرب قديمًا منازل القمر كمؤشرات فلكية لتحديد مواسم السنة ومعرفة التغيرات المناخية، ويعتبرون الصرفة بمثابة إنذار بقرب انتهاء الصيف وبداية الخريف.
التوقعات الاجتماعية والتقليدية
تعتبر الصرفة وقتًا للتحضير للتغيرات الموسمية المقبلة، حيث يقوم الناس بتعديل نشاطاتهم وفقًا لتغيرات الطقس المتوقعة. فمع انخفاض درجات الحرارة، يبدأ الناس في الصحراء والقرى الريفية بإعداد مخازن الحبوب وتجهيز الماشية وتوفير الحطب للحاجة المحتملة في فصل الشتاء المقبل.
الحياة الاجتماعية في الصرفة
أصبحت فترة الصرفة، تاريخيًا، مناسبة للاحتفالات بجني المحاصيل الصيفية في بعض المناطق العربية، حيث يقيم الناس تجمعات صغيرة للاحتفال بنجاح موسم الزراعة واستعدادًا للمرحلة المقبلة. وكانت هذه المناسبات فرصة للتفاعل الاجتماعي وتبادل الأخبار والخبرات الزراعية. كما كان من المعتاد أن يتم الاهتمام بتأمين الحيوانات من قسوة الصيف والتجهيز لموسم أكثر اعتدالاً.
في الأدب والشعر
تعتبر الصرفة منازل ذات دلالات رمزية في الأدب العربي القديم. وقد أشار إليها العديد من الشعراء في قصائدهم كرمز للتحول والتغير، فكانت الصرفة ترمز لمرحلة الانتقال بين القسوة والاعتدال، أو بين الجفاف والخصوبة، وتعبّر عن انتظار الخريف بعد حرارة الصيف.
الأمثال الشعبية المرتبطة بالصرفة
كان للعرب القدماء أمثال شعبية تتعلق بالصرفة، حيث كانوا يقولون مثلاً: “في الصرفة ينصرف الحر”، وذلك للدلالة على بداية زوال شدة الحرارة وبداية الأجواء الأكثر لطفًا. وتعكس هذه الأمثال مدى أهمية الصرفة في الذاكرة الشعبية، كونها فترة يتم فيها التأقلم مع التغيرات الطبيعية واستقبال الموسم الجديد بحكمة وتوقعات إيجابية.
التأثير على حياة البدو
بالنسبة للبدو وسكان الصحاري، تُعتبر الصرفة من الفترات التي يُعدّون فيها أنفسهم لرحلات طويلة، حيث يكون الطقس أقل قسوة، ما يسمح لهم بالتنقل بمرونة أكثر. ويعتبر هذا التوقيت مناسبًا لتجهيز الإبل وتحضير المؤن، حيث يصبح الطقس ملائمًا للسفر دون التعرض لخطر الحرارة العالية.
التوقعات والتنبؤات
كان العرب القدماء يستخدمون منازل القمر للتنبؤات المتعلقة بالمواسم والمحاصيل، ويعتقدون أن منزلة الصرفة تكون محملة بتوقعات تبشر بانخفاض الحرارة، وتمنح الناس فرصة للراحة بعد الصيف الحار.